مراجعة كتاب ستكونين بخير.

ستكونين بخير (2009)، رسوم: ثريا بترجي، بقلم الطفلة: إسراء الحربي، جدة: كادي ورمادي للنشر.
بالرغم من الصحوة الجدية لكتب الأطفال في السعودية على وجه الخصوص وفي العالم العربي عموما، إلا أن الدارسين يكادون يغفلون كون كتب الأطفال علم قائم بذاته.  وقلما نجد من يتناول هذه الكتب بالدراسة والنقد والتحليل إلا فيما قل من ابحاث الماجستير والدكتوراه.  في محاولة منا لإعطاء القاريء صورة عما تحتويه بعض هذه الكتب نود البدء بكتابة مراجعات خاصة بكتب الأطفال أملا في أن يتضح معنى أن الكتابة  والرسم للأطفال هي فعلا أصعب أنواع الفنون. 

اخترنا كتاب ستكونين بخير للكاتبة الصغيرة إسراءالحربي وللرسامة ثريا عادل بترجي من نشر كادي ورمادي بجدة.  وقع اختيارنا على هذا الكتاب لحداثة صدوره (2009) ولأهمية طرح الموضوع الذي عالجه الكتاب للمتلقين الصغار.  الكتاب يتحدث عن تجربة إسراء في محاولة التعايش مع إصابة والدتها د. سامية العمودي بمرض سرطان الثدي.  وبالرغم من قساوة الموضوع بالنسبة للصغار إلا أنه لا يخفى علينا بأن هذا المرض متفش في مجتمعنا السعودي وبأن نسبة ليست بالقليلة من الأطفال ستضطر للتعايش مع المرض بشكل أو بآخر (لإصابة أحد أفراد العائلة به).

على الرغم من بساطة نص الطفلة إسراء وقصره إلا أنه جاء صادق ومعبر.  ففي كل جملة مباشرة نقرأ حيرة الطفلة ما وراء السطور.  الطفلة التي تحاول أن تتحدث عن معاناتها بكل عفوية لا تستطيع أن تخفي خوفها الذي يظهر جليا في سطور رسالتها إلى والدتها.  هل من الممكن أن يكون هينا على الطفلة، مثلا، أن تقول لأمها: "حتى لو كنتِ في الأرض أو السماء"؟!  ربما لا يعرف الأطفال كيف يعبرون عن قلقهم إلا بقول ما يتوقعون ما يود الكبار سماعه.  ربما أرادت إسراء أن تقول لأمها أظن بأنك لا تريدين أن تقولي لي بأنك ستفارقينني ولكنك لن تفارقيني.  ربما أرادت الطفلة طمأنة نفسها قبل أن تطمئن أمها.  وجاءت كلماتها "بعد أن علمت أنها ستكون بخير اطمأننت قليلا" بعد أن قالت لها والدتها بألا تخاف لأنها ستتعافى إن شاء الله.  وينتهي النص بحلم أن يعيش أطفال إسراء في عالم ليس فيه مرض يدعى السرطان.

قد يكون أصعب مافي الإصابة بمرض من أمراض السرطان هو مواجهة حتمية إبلاغ الأهل والأحباب عن هذه الإصابة.  وهذا ما حاولت أن توضحه الرسامة ثريا بترجي في بداية قصة إسراء الحربي "ستكونين بخير".  ومع أن هذه الحيرة في كيفية إبلاغ الأهل بالمرض الذي أصاب د. سامية العمودي لم تذكر في نص ابنتها إلا إن الرسامة نجحت في تصويرها بشكل واضح حيث أضفى اللون الأسود للجدار القتامة والكرب الذي قد تكون المريضة مرت به فعليا.  وأتت الصفحة التي تلي ممثلة قمة الصبر لدى المؤمن الحقيقي بتضرع الأم إلى الله طالبة الثبات.  وكأن الغمة تبددت مع اللجوء إلى الله فتوضح الرسامة ذلك بتبدد اللون الأسود من الرسم فلا نعود نرى اللون الأسود إلا في يوم المفاجأة حيث تأتي الشموع مبددة للظلمة.

تسير الرسوم على نفس المنوال فنجد أن مشاعر القلق تعيش مع المريضة في كل لحظاتها.  ففي بداية الصفحات يتمثل القلق ببداية اكتشاف المرض مع التقرير الطبي الذي صوِّرَ مرة بشكل جدار وأخرى بشكل سجادة معبرا عن محاولة الدكتورة لتناسي الوضع، خصوصا في يوم ميلادها، ولكن! أنى لها ذلك؟  فمقالات الجرائد خلفية أخرى تعبر عن تذكير من نوع آخر: المسئولية نحو التوعية بالمرض والتي نراها نجحت بها في آخر صفحة.

وفي الرسوم أيضا نجد تعبيرات جلية لكل أنواع المشاعر: الخوف، الحزن، القلق، الحيرة، الغضب، الحب، الحنان، الرعاية، التفاؤل، الأمل.  تفاوت تعبير الرسامة عن هذه المشاعر بين إظهارها على أوجه الأم والأطفال وبين إبرازها بشكل مقصود في الألوان.  فمثلا، استخدمت الرسامة اللون الأحمر للتعبير عن مشاعر الطفلة السلبية، والأحمر كما نعرف هو لون يحمل كل المتناقضات فهو لون الدم ولون النار، لون الحياة ولون الموت، لون الدفء ولون الخطر.  ثم تعود الألوان للقتامة معبرة عن حالة من الهدوء المشوب بالقلق والانتظار لما سيأتي. وأحيانا نجد الألوان تأتي مخففة على المتلقي حدة مشاعرالحزن.  ففي حجرة المستشفى نرى مشاعر الألم جلية على وجه الأم ولكن اللون الأصفر المشرق يعطينا جرعة من الأمل واللون الزهري يعطينا نوع من الراحة والهدوء. 

وعلى الرغم من قسوة رسم امرأة بلا شعر إلا أننا نجد بأن هذا الرسم بالذات محمل بالكثير من الرسائل الإيجابية.  نرى الأم مبتسمة يقظة، فاتحة ذراعيها لأبنائها بينما يطبع الابن على رأسها قبلة محبة، فيما تنظر الطفلة لأمها بفخر.  وتجيء الصفحة المقابلة مخففة للصدمة فلا  نرى سوى وجه الأم المشع بالرضى وفم الطفلة المبتسم.  وهكذا تحمل كل الصفحات رسائل من الأمل حتى تلك التي نجد فيها صحن الطفلة مليء بالطعام الذي لا تستطيع أن تلمسه لشدة قلقها فابتسامة  الأم ونظرتها الحانية تمتص قلق الطفلة والقاريء على السواء.  ويأتي حلم إسراء باكتشاف علاج للسرطان قبل النهاية ذات الخلفية الزرقاء، لون السماء الفسيح، لون الأمل والمستقبل المشرق.  تأتي النهاية بـ"أصبحت أمي بخير" كما نتوقع من أي قصة للطفل.

ما يلفت النظر في عمل الرسامة هو احترامها ليس فقط لعقل الطفل بل أيضا لتذوقه الفني!  فهي لم تكتفِ بالرسم والتلوين واستخدام الخامات المختلفة لإثراء الرسوم بل تعدت ذلك إلى استخدام خامات مختلفة من الورق لتعطي للرسوم قيمة أكبر فبدت كل صفحة كلوحة فنية قائمة بذاتها. إلى هذا المستوى نتمنى  أن ترقى الكتب المقدمة للأطفال حيث يتكامل  النص مع الرسم فيقدم وحدة متكاملة. كما نتمنى بأن يصل الوعي بأهمية كتب الأطفال حتى نرقى بفكر أطفالنا لقراءة ما بين سطور النص وما بين خطوط الرسم.


آخر تحديث
6/18/2009 11:44:59 PM